الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بوتين بين عنبر العقلاء و
إبراهيم جلال فضلون (1)

الحرب البوتينية عبثاً والخطيرة للغاية، ستترك أثراً في التاريخ الروسي خاصة، وكأنها نهاية روسيا ومحو كلمة الاتحاد السوفياتي للأبد، وقد ورد في القرآن "لا ترموا بأنفسكم في التهلكة"، لكن بوتين يُقدم شعبه وجيشه الحامي، بقدراته التي انكشفت حقيقتها وهناً على وهن.. بغزو من؟ دولة جارة كانت في ثوب واحد معها بكل شيء حتى الحياة -أوكرانيا- ليضعها بوتين موضع الند الذي سوف لا يأمن لروسيا ولا شعبها أبد المعاش، لكن بعد شهرين، مع توقف تقدم روسيا في أوكرانيا، تلوح توقعات بخيبة الأمل.

ولم لا وذلك الفعل لا ينم ولا يصدرُ إلا من أحد رجلين، الأول نيرون الذي أحرق روما بتصرفاته غير العاقلة، باضطهاد المسيحيين، وحرق روما، وقتل والدته وزوجته، مُستمتعاً وهو جالس في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق وبيده آلة الطرب يغني أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة، وينفي ذلك مضللو التاريخ لأغراضهم هُم، كما نرى على شاشات الفضائيات مخاوف الرُعب في كلمات مُحللي الأخبار الروس، وللآن ونحن في الذكرى الـ1958، لتلك المحرقة الرومانية، حملها الجيش الروسي معه في حرب جارته ليكون بوتين هو (عنتر) فيلم عادل إمام (عنتر شايل سيفه).

والثاني رجُل معزول عن خارجه ومُحاط بزبانية (السرايا الصفراء)، كرئيس كوريا الشمالية وحاله يقول: "والنبي ناولوني الولاعة".. فهل يخرج لهم إسماعيل ياسين مرة أخرى مواجهاً نيرون وعنتر في أوبريت العقلاء، بفيلم (المليونير) عنبر العُقلاء؟ ومن الأجدى أن أضع كلمات الأغنية مُصورة حال بوتين ومن حوله الآن باجتماعاته مع المضيفات وحفلاته تاركاً جيشه وتاريخ روسيا يُباد "والنبي ناولوني الولاعة عايز أولع روما بحالها، أنا مستعجل عندي إذاعة خطبة عظيمة لازم أقولها.. هتقول إيه يا نيرون سمعنا، متعنا بخطبك متعنا.. هازعق زي الغول وأجعر وأقول".

أقول: يبدو أن الجميع على حافة الهاوية لإخفاقات ثاني قوة بالعالم، وهو ما أكده أندريه سولداتوف، الكاتب والخبير في الخدمات العسكرية والأمنية الروسية، أن الإخفاقات في أوكرانيا بدأت في خلق انقسامات داخل القيادة الروسية، بل وإن كبير مسؤولي المخابرات الروسية المسؤول عن الإشراف على تجنيد الجواسيس في أوكرانيا وضعه "بوتين" قيد الإقامة الجبرية مع نائبه، بل وإن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الذي كان مرشحاً لخلافة بوتين، مهدد بفقدان منصبه.

لم تكن الحرب العنترية البوتينية سبباً لجعل الروس والأوكرانيين أعداء مدى الحياة، بل سبباً لعداوة داخلية لمُعارضتهم فكرة المُخاطرة بالحرب ومُهاوشة وتهديد الناتو.. بل وإن الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف، ظل مُتمسكاً بهذا التوقعات، رغم أنه لا يستطيع التحدث بحرية في ظل الرقابة الروسية في زمن الحرب مُعلناً بشجاعة الجندي "أنا لا أنكر ما قلته".

إذاً التقدم البطيء والخسائر الفادحة لحرب الرئيس المُتهاوى تدل على ضعف القدرة التخطيطية لجيشه، وثقته في كبار عملائه ووزير دفاعه اللامُخلص، مع رداءة المعلومات الاستخباراتية، وإلا ما خسرت روسيا عدداً كبيراً من كبار القادة في المعارك، إضافة لنائب قائد أسطولها في البحر الأسود، وبالتأكيد يؤثر فقدان القيادة على الروح المعنوية ومحاربة البراعة والفعالية، بما يعكس تخطيط الكرملين السيء، وتحديات هيكل القيادة الثقيلة للجيش الروسي في مواجهة قوة قتالية أوكرانية أكثر رشاقة.

هكذا نجح بوتين في أن يُحول مؤيدي الكرملين لانتقاد حربه حتى في الوقت الذي تدّعي فيه الدعاية الروسية أن هذه الإخفاقات نتيجة حرص الجيش على تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين الذيم هُجروا ودُمرت مُدنهم بالكامل، مثل "ماريوبول"، لتكون نتيجة تقييم الحرب كارثية للقوات الأوكرانية، وفق إيغور جيركين، العقيد السابق في وكالة الاستخبارات الروسية، و"وزير الدفاع" السابق للانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا، إذا تم التقليل من شأن العدو على مختلف جبهات القتال.

وأخيراً.. خاب أمل الكثير من المُحللين، وضاع عُمرنا نُمجّد بالقوة الروسية، التي أهانها بوتين بالإخفاقات الأمنية العملياتية، ليصدُق بافل لوزين، المحلل العسكري الروسي "يمكننا القول بشكل قاطع إنه لم يتم التخطيط لأي شيء. لقد مرت عقود منذ أن تكبد الجيشان السوفياتي والروسي مثل هذه الخسائر الفادحة في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن".

 

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!